المعجزة دليل النبوة الأوحد
ما هى المعجزة ؟
المعجزة ، فى اللغة ، هى "ما أعجز به الخصم عند التحدى " .
و المعجزة ، فى اصطلاح علم الكلام " أمر خارق للعادة ، مقرون بالتحدى ، سالم عن المعارضة " . هذا هو التعريف الذى تعارف عليه علماء الكلام ، كما أورده السيوطى فى ( الأتقان فى علوم القرآن 2 : 116) . فأركان المعجزة ثلاثة .
نرى ضرورة المعجزة و صحة النبوة فى الكتاب ، أى التوراة و الإنجيل و القرآن ، ثم فى علم الكلام ، و نقارن ما بين المعجزة و الإعجاز .
أولا : ضرورة المعجزة لصحة النبوة ، بحسب الكتاب
فى التوراة و الإنجيل و القرآن ، إن المعجزة ، على أنواعها ، دليل النبوة الأوحد ، فلا تصح النبوة بدون معجزة . هذا مبدأ إلهى مقرر ، متواتر بالاجماع عند الأنبياء و المرسلين، حتى سماه القرآن : " سنة الأولين " ( الكهف 55 ) و " السلطان المبين " ( غافر 23 ) الذى يؤتيه الله رسله برهانا إلهيا على صحة رسالتهم ، و صدق نبوءتهم و دعوتهم .
1 – فى التوراة
فمنذ التوراة ، جعل الله نفسه المعجزة دليل النبوة . لما تجلى الله لموسى فى سيناء ليرسله إلى بنى إسرائيل و إلى فرعون و ملئه ، ثبت له و للناس رسالته بمعجزة العصا و معجزة اليد البرصاء ( الخروج 3 – 4 : 2 ) . ثم ارسله و المعجزة بيده : " خذ بيدك العصا تصنع بها
المعجزات ... و صنع موسى المعجزات على عيون الشعب فأمن الشعب" ( الخروج 4 : 18 – 31 ) .
و القرآن نفسه يشهد بأن المعجزات كانت عند موسى دلائل النبوة : " و لقد أرسلنا موسى بأياتنا و سلطان مبين " ( غافر 23 ) ، " و لقد أتينا موسى تسعة أيات بينات " ( الإسراء 101 ، القصص 30 – 36 ، طه 17 : 23 ، الشعراء 30 – 33 ) ، و يفصلها ( الأعراف 104 – 136 ) ، حتى أمن بنو إسرائيل ، و عجز سحرة مصر عن المعارضة ، و سلم فرعون و آمن عند غرقه ( يونس 90 ) . فالمعجزة هى " السلطان المبين " الذى به يشهد الله لنبيه أنه أرسله ليبلغ كلام الله ، فلا نبوة بدون معجزة .
2 - فى الإنجيل
و فى الإنجيل جعل السيد المسيح المعجزات دلائل النبوة : " إن كنت لا أعمل أعمال أبى ( الله ) فلا تصدقونى . و لكن إن كنت أعمالها ، و لا تريدون أن تصدقونى ، فصدقوا هذه الأعمال " ( يوحنا 10 : 37 – 38 ) ، ثم يستشهد بالكتاب لنفسه ، و يستشهد بسابقة يحيى المعمدان ، و لكنه يستشهد خصوصا بأعماله المعجزة : " و إن لى شهادة أعظم من شهادة يوحنا : إن الأعمال التى أتانى الآب أن اعملها ، هذه الأعمال عينها التى أنا أعملها هى تشهد لى بأن الآب ( الله ) قد أرسلنى " ( يوحنا 5 : 36 ) .
و على التخصيص ، كلما أدعى السيد المسيح لنفسه سلطانا إلهيا أكده بالأعمال المعجزة . لما نسب لذاته سلطان الله نفسه على مغفرة الخطايا ، بمناسبة شفاء مقعد فى كفر ناحوم ، أبرأه بكلمة منه على مشهد من الجماهير المزدحمة ، يشهد بهذه المعجزة الخارقة لسلطانه المعجز . أدعى أنه " نور العالم " ، فشفى الأكمة ، أى الأعمى منذ مولده ، شهادة للحقيقة المنزلة معه و فيه . علم أمام الجماهير فى بيت عنيا : " أنا القيامة و الحياة " – و لا يبنس ذلك لنفسه إلا اله أو كافر مجنون – و نادى لعازر الميت من القبر فاحياه شهادة للسلطان الإلهى الذى يدعيه لنفسه . و قد أعطى قيامته الشخصية من الموت و القبر معجزته الكبرى .
و القرآن يصدق شهادة الإنجيل أن رسالة المسيح كانت بتأيد روح القدس و المعجزات : " و أتينا عيسى أبن مريم البينات ، و أيدناه بروح القدس " ( البقرة 87 ) . فامتاز
السيد المسيح على سائر المرسلين بتأييد روح القدس الدائم له . ثم يعدد القرآن أربعة أنواع من المعجزات التى يفضل فيها المسيح سائر النبيين : " و رسولا الى بنى إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم : انى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ، و أبرىْْء الأكمة و الأبرص ، و أحيى الموتى بإذن الله ، و أنبئكم بما تأكلون و ما تدخرون فى بيوتكم : إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين " ( آل عمران 49 ) . و توج معجزاته بمعجزة رفعه حيا إلى السماء ، تلك المعجزة الخالدة التى لم يحلم بمثلها نبى و لا رسول ( النساء 158 ) .
3 – فى القرآن
للقرآن فلسفة رائعة فى ضرورة المعجزة لصحة النبوة .
فالقرآن يسمى المعجزة " سنة الأولين " التى لا تبديل لها و لا تحويل " فهل ينظرون إلا سنة الأولين ! فلن تجد لسنة الله تبديلا ! و لن تجد لسنة الله تحويلا " ( فاطر 43 ) . و بدون معجزة لا يوجب الله على الناس الإيمان : " و ما منع الناس أن يؤمنوا ، إذ جاءهم الهدى ، و يستغفروا ربهم ، إلا أن تأتيهم سنة الأولين ، أو يأتيهم العذاب قبلا " ( الكهف 55 ) . فقد امتنع مشركو مكة عن الإيمان بالدعوة القرآنية ، " بالحكمة و الموعظة الحسنة " ، لأنها لم تقترن بالمعجزة المطلوبة ، " سنة الأولين " ، و رضحوا لها بالجهاد فى المدينة " بالحديد الذى فيه بأس شديد م منافع للناس " ( الحديد 25 ) . ففى فلسفة القرآن و فى عرف الناس جميعا ، إن المعجزة سنة النبوة : " لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسول الله " ( الأنعام 124 ) .
لذلك ، إذ يتشدق بعض أهل زماننا بقولهم : " إن حكمة الله أقتضت أن لا تكون الخوارق دعامة لنبوة سيدنا محمد عليه السلام ، و برهانا على صحة رسالته و صدق دعوته ( 1 ) " ، فهم إنما يتتقدون حكمة القرآن فى ضرورة المعجزة للنبوة ، و سنة الله فى أنبيائه .
و القرآن يسمى المعجزة أيضا " السلطان المبين " من الله لتأييد أنبيائه : " و لقد أرسلنا موسى بآياتنا و سلطان مبين إلى فرعون و ملئه " ( هود 96 – 97 ) ، " ثم أرسلنا موسى و أخاه
هارون بآياتنا و سلطان مبين إلى فرعون و ملئه " ( المؤمنون 45 – 46 ) ، و لقد أرسلنا موسى بآياتنا و سلطان و هامان و قارون " ( غافر 23 – 24 ) . فالمعجزة هى السلطان المبين من الله لصحة النبوة . و الشعب فى كل زمان لا يؤمن بنبوة إلا بسلطان المعجزة المبين : " قالت رسلهم : أفى الله شك ، فاطر السماوات و الأرض ، يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم و يؤخركم إلى أجل مسمى ! قالوا : إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا : فأتونا بسلطان مبين " ( ابراهيم 10 ) .
فالمعجزة على أنواعها ، هى سلطان الله المبين لصحة النبوة ، و سننه المتواترةفى رسله .
ثانيا : ضرورة المعجزة لصحة النبوة ، بحسب علم الكلام
لقد أجمع أهل العلم قاطبة من المسلمين بأن المعجزة دليل النبوة الأوحد ، و ذلك قديما و حديثا .
1 – قديما انقسم المسلمون ثلاث فئات بالنسبة إلى معجزة القرآن :
أهل السنة و الجماعة اختلقوا فى الحديث و السيرة للنبى العربى معجزات تفوق معجزات الأنبياء الأولين كلها ، و لم يحترموا موقف القرآن السلبى من كل معجزة لمحمد . و ذلك لأيمانهم الشعبى بضرورة المعجزة لصحة النبوة .
و اقتصر العلماء من أهل الإعجاز على اعجاز القرآن معجزة له