ما الفرق بين البلاء والإبتلاء؟
أولاً :البلاء
يكون للكافر، يأتيه، فيمحقه محقاً. وذلك لأن الله تعالى يملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته
*ومن أسماء الله تعالى: الصبور ، والإنسان عندما يصبر على إمتحان معين، فهو صابر
أما صبر الله سبحانه: أنه لا يعجل الفاسق أو الفاجر أو الظالم أو الكافر بالعقوبة
فأنت كبشر قد تتعجب: كيف يمهل هذا الإنسان. وهو يعيث في الأرض فساداً. -ولو حُكِّم إنسان في رقاب البشر، لطاح فيهم
:والله سبحانه وتعالى عندما قال
وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ
*الآية 75 من سورة الأنعام*
فعندما رأى، أراه الله الملكوت، وكشفه، كشف له الحجب. فرأى الخليل ما لا يراه في حياته البشرية
رأى إنساناً ظالماً يضرب يتيماً، فقال له: يا ظالم، أما في قلبك رحمة، أتضرب اليتيم الذي لا ناصر له إلا الله
اللهم أنزل عليه صاعقة من السماء
فنزلت صاعقة على الرجل
رأى لصاً يسرق مال أرملة، أم اليتامى
فقال له: يا رجل أما تجد إلا هذا؟!
... اللهم أنزل عليه صاعقة
وتكرر هذا
فقال له الله سبحانه: يا إبراهيم، هل خلقتهم؟
قال: لا يا رب
قال: لو خلقتهم لرحمتهم، دعني وعبادي. إن تابوا إلي فأنا حبيبهم،وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم وأنا أرحم بهم من الأم بأولادها
فالله الصبور لا يعجل ولا يعاجل
!فمتى جاء عقاب فرعون؟
لقد جاء بعد سنوات طويلة، وكان قد أرسل له بنبيين عظيمين وقال لهما (فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً) وهو الذي طغى وطغى وطغى
فلما وصل الأمر إلى ذروته .. أخذه الله أخذ عزيز مقتدر
فالله سبحانه وتعالى، يأتي بالبلاء للكافر، فيمحقه محقاً، لأنه لا خير فيه
عندما قال سيدنا موسى-الكليم-: يا رب، أنت الرحمن الرحيم، فكيف تعذب بعض عبادك في النار؟
قال تعالى: (يا كليمي، ازرع زرعاً) فزرع موسى زرعاً، فنبت الزرع. فقال تعالى: (احصد) فحصد
:ثم قال
(أما تركت في الأرض شيئا يا موسى)
:قال
(يا رب، ما تركت إلا ما لا فائدة به)
:فقال تعالى
وأنا أعذب في النار، ما لا فائدة فيه
فهذا هو البلاء
كما يقول تعالى: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ
ثانياً : الإبتلاء
ويكون للإنسان الطائع، وهو درجات وأنواع
وبالتالي هناك : آداب الابتلاء
:سؤال
كيف يكون هناك إنسان مريض، ومصاب في ماله وجسده وأهله...فهل يكون هناك أدب مع كل هذا؟
نحن عباد الله سبحانه , والعبد يتصرف في حدود ما أوكل إليه سيده من مهام، وهو يعلم أن (سيده سبحانه وتعالى): رحمن رحيم، لا يريد به إلا خيراً. فإذا أمرضه، أو ابتلاه فلمصلحته
كيـــــــــــــــف؟
كان أبو ذر جالساً بين الصحابة
ويسألون بعضهم: ماذا تحب؟
فقال: أحب الجوع والمرض والموت
قيل: هذه أشياء لا يحبها أحد
قال: أنا إن جعت: رق قلبي
وإن مرضت: خف ذنبي
وإن مت: لقيت ربي
فهو بذلك نظر إلى حقيقة الابتلاء. وهذا من أدب أبي ذر
ويقال في سيرته: أنه كان له صديق في المدينة , وهذا الصديق يدعوه إلى بستانه ويقدم له عنقود عنب. وكان عليه أن يأكله كله..فكان أبو ذر يأكل ويشكر، وهكذا لعدة أيام...ففي يوم قال أبو ذر: بالله عليك، كُلْ معي. فمد صاحب البستان ليأكل، فما تحمل الحبة الأولى، فإذا بها مرة حامضة
!فقال: يا أبا ذر، أتأكل هذا من أول يوم؟
فقال: نعم
قال: لم لم تخبرني؟
قال: أردت أن أدخل عليك السرور , فما رأيت منك سوءاً حتى أرد عليك بسوء
هذا إنسان يعلمنا الأدب، إنه لا يريد أن يخون صاحبه، وهناك اليوم أناسٌ متخصصون في إدخال الحزن على أمم بأكملها
وقد كان في أول عهده-أبو ذر- تعثر به بلال
فقال له: يا ابن السوداء
فقال له النبي-صلى الله عليه وسلم-: يا أبا ذر، طف الصاع ما لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى والعمل الصالح
فإذا بأبي ذر يضع خده على الأرض ويقول: يا بلال، طأ خدي بقدمك حتى تكون قد عفوت عني
فقال بلال: عفا الله عنك يا أخي
هذه هي الأخوة في الله. فمع الابتلاء، لا بد أن يكون هناك أدب من العبد، لأنه يعلم أن المبتلِي هو الله سبحانه. فإذا ابتلاه رب العباد فهو بعين الله ورعايته. فيتعلم الأدب مع الله فيما ابتلاه فيه
: أنواع الابتلاء
-1-
عبد سادر منحرف: بعيد عن الله، لا يقيم الطاعات، بل ويرتكب المعاصي، والطاعة بالنسبة له ثقيلة ومريرة، بينما المعصية لها حلاوة، ولكن: فيه شيء من خير ،فالله سبحانه يبتليه، كي يوقظه من غفلته
إبراهيم بن أدهم، كان يتسور البيوت ويسرقها. فتسور بيتاً مرة، فرأى صاحب البيت يقوم بالليل ويصلي ويقرأ قوله سبحانه وتعالى : أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ
فقال: قد آن يا رب.. فصار إبراهيم بن أدهم
قالوا: قد يفتح الله لك باب العمل، ويغلق عليك باب القبول. وربما يبتليك بالذنب فتتوب، فيكون سبباً للوصول
يغلق باب القبول لأن فيه عجب، وليس خالصاً لله وحده فالله سبحانه لا يقبل إلا العمل الخالص لوجهه مائة بالمائة
يقول تعالى: أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، فمن أشرك في عمل معي غيري، ودعت نصيبي لشريكي
فرُب عمل صغير عظمته النية، ورب عمل عظيم صغرته النية. ولكن كلنا كذلك؟ إذن يجب علينا، أن نخلص في أعمالنا لله , وهذا الإخلاص يأتي: بتجديد النية في كل عمل
حمزة عم النبي-صلى الله عليه وسلم-: بلغه أن أبا جهل يؤذي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: أفتضربه وأنا على دينه؟! فعاد إلى البيت وفكر: ما الذي لا يجعلني ألا أكون على دينه؟ فدخل في دين الله فهكذا، يأتي الله سبحانه بعد محنة، فيفيق العبد منها
أبو طالب: صاحب السفلة في القوم، فماذا أوردوه؟
كان ينازع، والنبي-صلى الله عليه وسلم- عن يمينه، وأبو لهب وأبو جهل عن يساره والنبي-صلى الله عليه وسلم- يقول له: قلها يا عماه، أشفع لك بها عند ربي وأبو لهب وأبو جهل: بل على دين آبائي وأجدادي
فقال أبو طالب: بل على دين آبائي وأجدادي
وبالمقابل كلبٌ يصاحب الصالحين فيذكر معهم في كتاب الله، كلب يصاحب الصالحين يُكَرم
أبو طالب، عم النبي-صلى الله عليه وسلم-ومن عليه القوم، ويدافع عنه، ولكنه صاحب السفلة من القوم فيدخل النار
وكان العباس يسأل رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: أما شفعت لعمك أبي طالب؟ قال: نعم، أخف عذاب أهل النار أبو طالب، يلبس نعلين في النار، فيغلي منهما دم رأسه. فيكون(رفقاء السوء) ابتلاء من فعل العبد: أن الإنسان ينجذب إلى شبيهه، والطيور على أشكالها تقع
:رُويّ في الأثر
-لو أن مؤمناً دخل في مجلس فيه مائة منافق، بينهم مؤمن واحد، لجلس بجوار المؤمن وهو لا يعرفه
إن الأخ في الله أو الصديق رقعة في الثوب، فلينظر أحدكم بما يرقع ثوبه
إن المؤمن في الله، كاليدين، تغسل إحداهما الأخرى. فالنوع الأول من الإبتلاء: عبدٌ بعيد عن الله، يأتيه الابتلاء، ليكفر عنه سيئاته، من مرضٍ أو ضنك في الرزق. فإما أن يستيقظ، فيتوب أو يزيد في طغيانه
قيل لأبي الحسن تعالَ صلِّ على أبي نواس، فرفض. فجاؤوا لتغسيله، فوجدوا ورقة في جيبه، فسألوا زوجته عنها
فقالت: هذه آخر ما رأيته يكتب، ثم مات. فأخذوها لأبي الحسن ليقرأها، فوجد فيها: يا رب، إن عظمت ذنوبي كثرة، فلقد علمتُ أن عفوك أعظم، إن كان لا يرجوك إلا محسن، فبمن يلوذ ويستجير المجرم، مالي إليك وسيلة إلا الرجى وجميل عفوك، ثم إني مسلم
فقال أبو الحسن: هيا نصلي على أبي نواس
-2-
إنسان مستقيم، طعامه حلال، ويتقي الله، وتنزل عليه الإبتلاءات من كل جانب، فهذا حبيب الرحمن. لأن الله تعالى يريد أن ينقيه، حتى روي أنه يسير على الأرض بلا خطيئة، وتشير الملائكة إليه، هذا هو الطاهر الشريف، الطاهر من الذنوب، الشريف من العيوب
وأكثر الناس ابتلاءاً، الأنبياء ثم الأتقى فالأتقى
فالابتلاء لهؤلاء هو لرفع الدرجات
يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-:إن أمر المؤمن عجب: إن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له، وإن أصابته سراء فشكر، كان خيراً له وليس هذا إلا للمؤمن
الذي سلّم أمره لله، وأمنه الناس على دينهم وأعراضهم وأموالهم وحياتهم
كالنبي-صلى الله عليه وسلم- الأمين: الذي كانت قريش تودع أموالها عنده رغم عدائها له، واستبقى سيدنا علي لردها. ...وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
أراد أبو جعفر المنصور أن يعطي عطاءاً، منحةً لأبي حنيفة، فبعث إليه عشرة آلاف درهم، وكان أبو حنيفة قد رفض أن يتولى القضاء
فحفظ أبو حنيفة النقود في كيس، وقال لإبنه: إذا مت، أعد هذه إلى أبي جعفر وقل له: هذه هي الأمانة التي استودعتها أبي
فهذا الإنسان المستقيم، تكون عنده بعض الهفوات-بحكم أنه بشر- فيريد الله تعالى أن ينقيه ويرفع درجاته
:ونشرح ذلك ونقول
لو افترضنا أن الله سبحانه، كتب لهذا العبد درجة 80، ولكنه مات، وعمله لا يوصله إلا إلى درجة 60، لكن الله بسابق علمه، يعلم أنه يصل إلى درجة 80، فيُبتلى فيرتفع من 60 إلى 80. فهذا الابتلاء: رزق، وهذا شعار الصالحين
يُقال يوم القيامة: ليقم الذين أجرهم على الله
فيقوم قومٌ قليل، يقولون: نحن أهل الصبر
فينطلقون في أرض المحشر دون حساب ولا ميزان إلى باب الجنة. فيوقفهم الرضوان: من أنتم؟ كيف تدخلون الجنة، ولم تقفوا لا لحساب ولا لميزان؟ فيقولون: يا رضوان، نحن لا نقف لا لحساب ولا لميزان، أما قرأت القرآن؟
فيقول: وماذا في القرآن؟
فيقولون: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب
فيقول: وكيف كان صبركم؟
فيقولون: نحن قومٌ كنا، إذا أعطينا شكرنا وإذا مُنعنا صبرنا وإذا اُبتلينا استغفرنا
فيقول: ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون
فهم في تواضعهم: جعلوا الابتلاء بسبب ذنوبهم
يقول تعالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ
لأنه لا يتأدب مع الإبتلاء إلا من عنده عزيمة يقول تعالى عن أم موسى: إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا
فالذي رُبط على قلبه، هو إنسان تأدب مع الابتلاء، فصار مؤمناً