--------------------------------------------------------------------------------
يوما
بعد آخر يتكشف ان 'المسألة العراقية' تخفي تحت سطحها اكثر بكثير مما يطفو
عليه من نزاعات طائفية وعرقية ومن تخلف ومرض وفوضى السلاح. كما يتأكد ان
الطريقة التي تولت بها الادارة الاميركية الحالية هذه المسألة وتداعياتها،
فيها من الغوامض والاخطاء والفضائح وعقلية التآمر السياسي والديني ما يثير
الرعب من قادم الايام في هذه المنطقة. فضيحة سجن ابو غريب التي كانوا
يضربون بها المثل في الحقد الدفين وفي الاستهانة بكرامات وارواح وانسانية
البشر، قد لا تكون شيئا بجانب الاجرام المبرمج الذي بدأت تتكشف تفاصيل منه
بالقتل الجماعي الذي تمارسه شركات الامن الخاصة التي اصبحت تعرف بالجيش
السري للرئيس جورج بوش وادارته التي يسيطر عليها المحافظون الجدد من ذوي
الاجندات الصليبية - الصهيونية المتطرفة. فهذه الشركات الامنية توظف مئات
الآلاف من المرتزقة الشرسين، المدربين باحتراف والمحصنين قانونيا ضد
المراقبة والملاحقة. يكلف الواحد منهم الدولة حوالي 450 الف دولار سنويا
اي عشرة اضعاف ما يكلفها الجندي الاميركي العادي. ثم يطلقون ايديهم في
القتل الجماعي العشوائي الذي يكشف عن ضغائن عميقة ويستهدف الاذلال وتمزيق
البنى الاجتماعية. فقد تأكد رسميا ان هذه الميليشيات هي التي اطلقت النار
في النجف الشريف. كما يؤمن الكثيرون انها لعبت دورا غامضا في حوادث
الاغتيالات السياسية والدينية وهي ضرب بيوت الله والمراقد المقدسة، خصوصا
وان بين مرتزقتها عددا لا يستهان به من اميركا اللاتينية اصحاب الفكر
الصليبي ذوي الملامح السمراء التي تشبه العرب. اكبر واشرس هذه الشركات
الامنية الخاصة واكثرها غموضا، شركة بلاك ووتر التي أسسها عام 1997
المليونير ذو الفكر الصليبي المتطرف من مجموعة المحافظين الجدد ايريك برنس
المتسلسل من عائلة غنية لها تاريخ معروف في دعم الحزب الجمهوري وفي توصيل
جورج بوش الاب والابن للرئاسة، وفي انشاء المعاهد والمراكز الدينية
الصليبية التي تروج للفكر الاصولي الذي يرى في الاسلام عدوا رئيسيا.
خلال
اسبوعين فقط عقب حوادث سبتمبر 2001 قفزت شركة بلاك ووتر لتصبح عنصرا
اساسيا في برنامج حروب المحافظين الجدد التي بدأت في افغانستان وانتقلت
الى العراق وبعدها الى دارفور في السودان. كانت في ذلك تنفذ خطة 'خصخصة
الحرب' التي اطلق فكرتها ديك تشيني نائب الرئيس الحالي، يوم كان وزيرا
للدفاع في عهد بوش الاب، ثم طورها وتوسع فيها دونالد رامسفيلد وزير دفاع
بوش الابن. الهدف الظاهري لفكرة 'مقاولي الحرب' وفي مقدمتهم بلاك وونر هو
التقليل من خسائر الجنود الاميركان. لكن تأكد الآن وجود مصالح مالية هائلة
واهداف سياسية ودينية اخرى وراء جيوش المرتزقة الذين اطلقوا عليهم في
الكونغرس قبل ايام اسم حماة الامبراطورية. فمجموع العقود التي حصلت عليها
بلاك ووتر في العراق لوحده من اجل حماية امن السفارة والموظفين الاميركان
وللقيام بأعمال التجسس واخضاع المناطق الملتهبة زاد على مليار دولار. اما
الاسلحة التي لديهم فحدث ولا حرج، طائرات واعتدة ثقيلة تكفي - كما قال احد
اعضاء مجلس النواب الاميركي - لاسقاط عدة دول وقلب عدة حكومات في الشرق
الاوسط. كان يمكن لشركة بلاك ووتر ان تبقى في الظل لولا حادث حي المنصور
الذي قتل فيه مجندوها عددا كبيرا عشوائيا من الابرياء منتصف الشهر الماضي
واثار ضجة استدعت فتح تحقيق على مستوى مجلس النواب الاميركي والكونغرس ثم
مكتب التحقيق الفدرالي F.B.I وقد كشفت هذه التحقيقات وتداعياتها الصحفية
عن جانب آخر اكثر سوادا في ملفات هذه الشركة لم يكن يعرفه الا القلة. فهي
في حقيقتها محفل في اخوية 'فرسان مالطة' التي تؤمن بأن الحروب الصليبية لم
تنته باستعادة صلاح الدين الايوبي للقدس الشريف. ايامها في القرن الحادي
عشر الميلادي شكل 'فرسان مالطة' ميليشيات مسلحة اخذت على عاتقها تجديد
الحرب الصليبية على المسلمين وظلت تنشط وتتوسع الى ان انتهت عند المحافظين
الجدد الاميركان ممن استثمروا او بالاحرى استخدموا احداث 11 سبتمبر
لاستئناف الحروب الصليبية بمعطيات وادوات جديدة.
_________________
بلادي وإن جارت علي عزيزةٌ
وأهلي وإن بخلوا علي كــرامُ