فضائيات للفن الهابط!

فضائيات للفن الهابط!


تعد القنوات الفضائية وسيطاً اتصالياً جماهيرياً عالمياً، تندرج في صلب مواجهة تحديات عولمة الإعلام، وتساهم في التغيير، بل الإسهام في تغيير الظروف المادية والفكرية التي تدفع إلى ذوبان الذات والإخفاق في السيطرة على مقومات التنمية الحضارية والفاعلية في العالم.
ومنذ النصف الثاني من عقد التسعينيات من القرن العشرين حصلت تطورات واسعة في مجال الاتصال، فتداخلت اتجاهات القنوات الفضائية، وتنوعت أنماط الإعداد والتقديم، وبرز سباق محموم نحو جذب المشاهد بأية وسيلة سواء للفضائيات الحكومية (الرسمية) أم للقنوات الأهلية (الخاصة)، وبأساليب مقبولة أحياناً وغير مقبولة أحياناً أخرى. والتطورات التقنية أحدثت تحولات واسعة في المشهد التلفزيوني العربي، برز منه على صعيد الواقع الجانب السلبي، وبشكل واضح، من خلال تدويل العرض ودخول الرأسمال الخاص في مجال المنافسة في هذا القطاع الذي ظل لمدة طويلة حكراً على الدولة.
إن الزيادة العددية في القنوات الفضائية العربية، وأغلب محاولات التطوير أقتصرت على جوانب فنية أو شكلية، ولم تشمل تعدد وأختلاف الآراء أو نوعية البرامج والمضامين، وأتسم الأداء بشكل عام بالبطء والنمطية، والظاهرة السلبية هي أن ما تقدمه معظم القنوات الفضائية العربية يتشابه شكلاً ومضموناً مع ما تقدمه قنوات البث الأرضي (المحلية)، على الرغم من اختلاف المجال والجمهور والأهداف المعلنة.
وتبدو المظاهر السلبية في برامج العديد من الفضائيات العربية، من خلال حالة الطرب والفرح التي تحتاج إلى إعادة نظر من قبل المهتمين بالبث الفضائي العربي، بأن يكون الإعلام سلاحاً يباشر به العرب في غزو العقل الغربي وتعريفه بالشخصية العربية، فمما لاشك فيه أننا لا نريد أن تكون نظرة الغرب إلينا بوصفنا مخلوقات راقصة يأخذها الطرب حتى في أحلك الأوقات التي تمر بها الأمة العربية وأكثرها حرجاً، كما يحدث من تعامل بعض الفضائيات العربية، في الوقت الذي تشن فيه حرب معلنة على العرب والمسلمين.
ومعظم الفضائيات العربية تركز في برامجها الترفيهية على الغناء والرقص والفيديو كليب، وهذا ما ينقل إلى المواطن في دول العالم المختلفة صورة مغايرة عن تراثنا وثقافتنا، وكأن الوطن العربي يخلو من الثقافة والمعرفة والتقدم العلمي والأدبي. وبعض الفضائيات تروج لأنماط هابطة من الغناء، ولا تحترم ذوق المتلقي وتداعب غرائزه وسلوكياته وبعيدة كل البعد عن أية ذائقة جمالية. وللأسف الشديد تتحمل الفضائيات العربية جزءاً من هذا الهبوط الجماعي في الغناء، فهي تروج أنماطاً شاذة منه، فنجد مثلاً أنموذج الأغنية العربية التي تبث من خلال الفضائيات قد تغيرت مضامينها كثيراً، وأصبح ما يقدم يركز على مظهر المرأة وزينتها وعريها فهبط من قيمة المرأة العربية كإنسانة وعاملة ومنتجة ويتنافى مع احترام حقوقها. مع أن الفضائيات تساهم بدور مهم في عملية تشكيل الذوق العام، وتكريس نمط من السلوك الثقافي، وتهيئة المجموعة للانخراط في رؤى فنية معينة.
والمطلوب من الفضائيات العربية احترام حق المواطن في المعرفة، من خلال الإنتاج الإعلامي الجيد والرصين، وتوفير الخيارات ومراعاة تعدد البدائل والآراء، لاسيما في ظل تزايد القنوات الفضائية العالمية الوافدة إلى الوطن العربي، التي تحمل آراء وأفكاراً وتوجهات وثقافات مختلفة، مما يتطلب من الفضائيات العربية، تقديم ما يعكس عن هويتنا وثقافتنا وتقاليدنا، بشكل نستطيع فيه تلبية احتياجات ومتطلبات المواطن والمشاهد، فتصبح البديل الذي يلجأ إليه ليناقش قضاياه ويوصل صوته ويطرح مشاكله.
إن نسبة البرامج التي تبثها هذه الفضائيات ذات طابع قطري (محلي)، فضلاً عن بث نسبة عالية من المواد الإعلامية المعروضة في بثها مستوردة لسد جزء من مساحة البث اليومي، وهذا يعني أن هذه القنوات تركز على الهم القطري قبل الهم القومي. ويفترض أن تأخذ الفضائيات العربية مكانها المناسب على مستوى البث الفضائي العالمي، وأن تحتل البرامج المحلية المعروضة فيها مساحة واسعة من نسبة البث اليومي.
ولابد من مواجهة الواقع الجديد لسد الفراغ الموجود في القنوات الفضائية، من خلال إنتاج برامج مقبولة، ومؤثرة وقادرة على المنافسة، لاسيما وأن المنافسة لا يمكن أن ترقى بالإنتاج في ظل قلة الإنتاج وضيق مجاله.

شكرالك
اخي
ع المشاركه